القائمة الرئيسية

الصفحات

المرأة التونسية : قصة نضال وكفاح منذ زمن الإستعمار

المرأة التونسية : قصة نضال وكفاح منذ زمن الإستعمار
 


لطالما أهملت الوثائق التاريخية التي تتناول تاريخ تونس قبل الاستقلال دور المرأة التونسية في حركة استقلال بلدها. فالدراسات حول النساء المناضلات المنسيات نادرة رغم ثقل دور المرأة التونسية خلال الفترة الاستعمارية التي مرت بها تونس و التزام التونسيات بمقاومة الاحتلال.

بصمة المرأة التونسية في النضال :
لا يمكن لأحد أن ينكر بصمة المرأة التونسية الحقيقية في تاريخ تونس في النضال ضد الملوك الفرنسيين والعقلية التقليدية. لكن المرأة لم تحصل على الثناء والتقدير الذي تستحقه رغم تضحياتها. فلقد قاتل بعضهن ضد السلطات الفرنسية على الرغم من وجودهن في مجتمع محافظ، مما حرمهن من اظهار كل إمكانيات مقاومتهن كالمشاركة في المظاهرات والحركات الاجتماعية. لقد كن محرومات من التعليم لأن العائلات المحافظة في ذلك الوقت رفضت السماح لبناتهن بمغادرة منازلهن للذهاب إلى المدرسة. ولم ترسل سوى عدد قليل من العائلات الشهيرة بناتها إلى المدرسة أو جاء المعلمون إلى منازلهن لمنحهن دورات في اللغة والعلم.

شرارة مشاركة المرأة في الحركة الوطنية :
خلال القرن التاسع عشر، أصبح العديد من المفكرين التونسيين مهتمين بموضوع المرأة في معارضة للأفكار التقدمية لقاسم أمين القائد الفكري المصري الذي كتب كتابين: تحرير المرأة والمرأة الجديدة. في تونس، كان أكبر محرري النساء حسن حسني عبد الوهاب، وطاهر حداد وعبد العزيز الثعالبي وحبيب بورقيبة.
بعد دخول تونس في عهد الحماية الفرنسية، تم نقل طريقة الحياة الأوروبية إلى تونس، وزاد الاتصال بالفرنسيين. ومكنت مراقبة السلوك الليبرالي للمرأة الفرنسية من التفكير في تغيير طريقة حياة التونسيات تدريجياً وقبول سلوك جديد يختلف مع تقاليدهن وعاداتهن المحافظة.
وأرجع جميع المؤرخين دخول المرأة في الحياة العامة وتحررها من قيود المجتمع المحافظ والتقاليد أساسا إلى رموز الأفكار الليبرالية مثل طاهر حداد وحبيب بورقيبة. ولكن تبين أن المرأة بدأت تهتم بالمشاركة في الحركة الوطنية بخطوات حذرة، وفي الوقت نفسه رأينا نساء رجعيات تمسكن بالمجتمع المحافظ في ذلك الوقت منذ عشرينيات القرن العشرين.

الموجة الأولى للحركة النسائية :

المرأة التونسية : قصة نضال وكفاح منذ زمن الإستعمار

تم إنشاء أول منظمة نسائية وهي الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي في عام 1936. وكانت الظروف الأولى التي ساهمت في إنشائها تشجيع طاهر عبيدي، أحد أنصار المفكر التونسي طاهر حداد الذي شجع المرأة التونسية على إنشاء مؤسسات نسوية موازية لتلك التي يشارك فيها الرجال.
الخطوة الأولى كانت من خلال الاتحاد النسائي الإسلامي والذي استقطب النساء المنتميات إلى جميع الفئات الاجتماعية واستطاع تنظيم لقاءات مثمرة. وكانت الناشطات تجمع الاموال من خلال تنظيم مهرجانات خيرية لتوزيع المساعدات الاجتماعية على الأشخاص الذين يعانون من نتائج الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات في المنطقة الشمالية من تونس ويتم ضخ جزء من الأموال التي تم تجمعها لمساعدة الحزب الدستوري.

مشاركة المرأة داخل الأحزاب السياسية :

المرأة التونسية : قصة نضال وكفاح منذ زمن الإستعمار

ترتبط الأنشطة النسائية بالأحزاب السياسية. وكان بعضهن يدعم أفكار وأهداف السياسيين مثل حزب المحافظين الجدد والحزب الشيوعي الوطني. ولقد تم إنشاء أول منظمة نسائية هي “الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي” في عام 1936. وكانت المنظمة تدار من قبل بشيرة بن مراد. وتم إنشاء هذا الاتحاد لتعزيز تحرير المرأة الذي ناد به المصلح طاهر حداد. ويعتبر والد بشيرة بن مراد (“محمد الصالح بن مراد”) الأكثر تمثيلا للإسلاميين المعتدلين خلال هذه الفترة وهو “شيخ الإسلام” آنذاك. وأراد الحفاظ على مكانته الاجتماعية دون السماح لطاهر حداد بأخذ مكانه من خلال اتخاذ الخطوات الأولى لتوجيه سلوك استقلال المرأة والسماح لها بالمشاركة في الحياة السياسية.

وتأتي فكرة تعزيز مشاركة المرأة السياسية ودعم تحررها من تشجيع بعض المنورين، كحسن حسني عبد الوهاب وعبد العزيز الثعالبي وهادي عبيدي – داعم طاهر حداد – الذين يصرون على الاعتراف بالحركة النسائية. وهي تهدف إلى ضمان الاندماج الاجتماعي للمرأة، وفهم قواعد الدين الإسلامي وجمع الأموال من الأعمال الخيرية من أجل مساعدة مقاومي الاحتلال من خلال نقل المعلومات والوثائق الرسمية والهروب من السلطات الفرنسية.

في البداية كان عدد النساء المنتميات إلى هذه النقابة (الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي) 15 امرأة، وبدأت النساء بالتدريج في الاهتمام بالحركات النسائية. ويذكر أن ما شجع النساء على المشاركة في الحركة الوطنية هو تتابع المواجهات العديدة مع الفرنسيين، وإلقاء القبض على شخصيات بارزة وإبعادهم عن البلاد. ولقد شعرت بعض النسوة بالحاجة للقتال من أجل إطلاق سراح المحتجزين ومشاركة الكفاح مع الرجال. ولقد عملن لسنوات دون موافقة الرجال الى عام 1951. وعلى الرغم من جوهره الديني، فقد ركز الاتحاد جهوده لإخراج النساء من جهلهن وتشجيعهن على تقديم تنازلات لتحرير البلاد. ولقد تعاونت الناشطات مع الأحزاب الدستورية والقومية من خلال نشر شعاراتهم، وتنظيم المعارض.

في عام 1936، نظمت بشيرة بن مراد أول لقاء لم شمل المرأة من أجل قضية الحركة الوطنية والتي أرختها المجلة التونسية “شمس الإسلام” التي يديرها آنذاك والدها محمد الصالح بن مراد، والتي ساهمت بمقالاتها في نشر المعلومات المنشودة ونشرها بواسطة المسلحين. امتد نشاط الاتحاد ليشمل عدة مناطق في العاصمة مثل حمام لنف والمرسى وخارج العاصمة مثل صفاقس وسوسة والقيروان وتطاوين ونابل. بعد أحداث 1952 ورفض فرنسا لمطالب التفاوض من الوطنيين، تم تعليق الأنشطة السياسية للاتحاد النسائي من قبل السلطات الفرنسية واضطرت العضوات إلى الالتزام بالامتناع عن أي نشاط سياسي. بدأت المقاومة الوطنية تنتشر في المجتمع التونسي في ذلك الوقت والتي كانت أول نواة لنضال المرأة في تونس.

شاركت النساء في التحقيق في أحداث زرمدين في عام 1946. التحقت العديد من النساء بالوفد ورافقت أعضاء (الحزب الدستوري). ولقد عانت النساء من العنف وسوء معاملة الاستعماريين. كما شاركت النساء في حركة عام 1952 وانضمت إلى نضال تحرير البلاد ضمن أكثر الناشطين حراكا. وكتبت بعض النسوة ضمن الحركة تقريراً عن الهجمات الوحشية ضد سكان منطقة تازاركا على سبيل المثال. وتعرض آنذاك عدد من النساء والأطفال والرجال للعنف الاستعماري والاغتصاب والقتل والإيذاء.

لم تنشط هذه المنظمة الأنثوية لتحسين الوعي بوضع المرأة فحسب، بل لعبت أيضًا دورًا حيويًا في تطور صورة المرأة وتوسيع نطاق تأثير النساء في جميع أنحاء الجمهورية. وإذا تم إيقاف النشاط السياسي للاتحاد النسائي الإسلامي في عام 1952، فإن التزام المرأة لم يتوقف، ولكن تم إنشاء نواة أخبار عن الصراع السياسي.

المرأة التونسية : قصة نضال وكفاح منذ زمن الإستعمار


وفي عام 1944 تأسس اتحاد النساء التونسيات (UTW) خلال الحرب العالمية الثانية من قبل نساء فرنسيات يعشن في تونس وكانت تقودها “شارلوت جولان”، زوجة ضابط فرنسي. هذه المنظمة الأنثوية لها طابع سياسي لأنها فرع من الحزب الشيوعي التونسي. وقد قامت بحشد الدعم للنظام الشيوعي عن طريق تقديم خدمات مدنية واجتماعية لصالح المقاومين الشيوعيين. وتتمتع النساء المنتميات إلى هذا الاتحاد بخلفيات إثنية وثقافية متنوعة: يهودية وإسلامية. واجتذب الاتحاد العديد من النساء التونسيات اللائي يعمل أزواجهن في اتحاد العمال التونسيين وبعضهن من المثقفين.

خلال الحرب العالمية الثانية، ساعدت عضوات اتحاد النساء التونسيات الجنود وعائلاتهم والجرحى. ولقد أحست عضوات الاتحاد بالناس الذين يحتاجون إليهن. وكن تحتج على ارتفاع الأسعار وبيع المنتجات الغذائية في السوق السوداء وضعف القوة الشرائية بسبب الحرب. وينشر هذا الاتحاد أنشطته في تقرير شهري كان بعنوان “المرأة التونسية”. خلال عامي 1945 و1946، كانت ينشر تقاريره بشكل متكرر ثم توقفت المنشورات بسبب نقص التمويل. وقد احتضن الاتحاد أربع نساء مسلمات، وكان المكتب الرئيسي لاتحاد النساء التونسيات في شارع “شارل ديغول” في العاصمة (تونس).
أنت الان في اول موضوع

تعليقات